تطبيقات عملية للقضاء الإداري في مجال التجزئات العقارية بقلم الأستاذ رضوان قوبيع

0
125

تطبيقـات عملية للقضاء الإداري في مجالالتجزئات العقـاريةإن النزاعات المعروضة أمام القضاء الإداري في مجال التجزئات العقارية هي كثيرة وشائكة إلا أننا ومن خلال هذه الدراسة سوف نقتصر على حالتين فقط، مرتبطة ارتباطا أساسيا بالتجزئات العقارية، ويتجلى ذلك في النزاع المرتبط بتوفير الوعاء العقاري الذي ستنجز عليه التجزئة نظرا لكون إحداث التجزئات العقارية يحتاج إلى وعاء عقاري مهم جدا، قد لا تتوفر عليه الدولة، لذلك نقوم بالتطرق إلى نزع الملكية في إطار التجزئات العقارية ) في الفقرة الأولى( كما سنتطرق في )الفقرة الثانية( إلى الاعتداء المادي الذي قد يقع في التجزئات العقارية .الفقرة الأولى: نزع الملكية في إطار التجزئات العقـاريةيتطلب لإحداث التجزئات العقارية الحصول على أراضي ذات مساحات شاسعة لا تتوفر عليها أحيانا الدولة هذا ما يقف حجرة عثرة في وجه التنمية الاجتماعية والاقتصادية،1وقد عمل المشرع المغربي على بلورة مفهوم نزع الملكية من أجل المنفعة العامة كتطبيق من تطبيقات القضاء الإداري، وقد استعملت سلطات الحماية هذا المفهوم كسلاح فعال، تتجاوز بواسطته مختلف العراقيل التي يسببها النظام العقاري المغربي 2فكان استعمالها لهذا المفهوم سنة 1912حيث أصدر المشرع منشورا للصدر الأعظم بخصوص نزع الملكية.3ويعتبر ظهير 6ماي 1982المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت ،4من أهم الأدوات القانونية التي تعتمد عليها السياسة العقارية بالمغرب حاليا حيث1 – الهادي مقداد، السياسة العقارية في مجال التعمير والسكنى،

مرجع سابق ص .1512 -BENJELLOUN Abdelaziz : les limitations de la propriété foncière en droit public marocain op. ctt, page, 26.3 – تم إصدار منشور الصدر الأعظم بتاريخ فاتح نونبر ،1912يفرض على الملاكين القبول بنزع ملكية أراضيهم من أجل المنفعة العامة لفائدةالمخزن إذا دعت الضرورة لإنجاز بعض المشاريع العمومية بالمنطقة التي بها ملكيتهم.4 – الظهير الشريف رقم 1.81.254المؤرخ في 11من رجب 1402الموافق ل 6ماي ،1982بتنفيذ القانون رقم ،07.81المتعلق بنزع الملكيةلأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت، الصادر بالجريدة الرسمية عدد ،3685بتاريخ 15يونيو ،1983ص .98

تركز السلطات العمومية المغربية على مسطرة نزع الملكية كوسيلة جبرية لتدخلها في المجال العقاري، كما أن المشرع المغربي قد تعامل مع موضوع نزع الملكية، بكثير من الاهتمام، نظرا لكونها تمس أحد الحقوق المقدسة وهي حق الملكية ،5لذلك نجد أن الدستور6 المغربي في الفصل 35منه ينص على أنه “يضمن القانون حق الملكية، ويمكن الحد من نطاقها وممارستها بموجب القانون.إذا اقتضت ذلك متطلبات التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية للبلاد.ولا يمكن نزع الملكية إلا في الحالات ووفق الإجراءات التي ينص عليها القانون”وعليه فإنه إذا اقتضت متطلبات التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية توفير وعاء عقاري معين، فإنه يمكن اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.وهذه المسطرة تمر عبر مرحلتين أساسيتين، الأولى إدارية والثانية قضائية بخصوص المرحلة الأولى، فإنه ينبغي أولا الإعلان عن المنفعة العامة، وهو أول إجراء إداري تتخذه السلطة العامة فقد نص الفصل السادس من قانون 6ماي 1982على أنه “تعلن المنفعة العامة بقرار إداري يعين المنطقة التي يمكن نزع ملكيتها…”ثم ثانيا أن يصدر مقرر التخلي فهو ثاني إجراء إداري يباشره نازع الملكية بعد القرار المعلن للمنفعة العامة فهو قرار يهدف تحديد وتبيان على وجه الدقة الأملاك العقارية الواجب نزع ملكيتها 7ولكي يرتب قرار التخلي آثاره أوجب المشرع نشره بالجريدة الرسمية وكذلك5 – الصافية طالسي، التجزئات العقارية ودور القضاء في ضبط مخالفتها، مرجع سابق، ص .666 – ظهير شريف رقم ،1.11.91صادر في 27من شعبان 29) 1432يوليوز ،2011الصادر في الجريدة الرسمية عدد – 5964الموافق ل 28شعبان 30 ) 1432يوليوز .(20117 – عبد القادر رايض، الارتفاقات القانونية في التجزئات العقارية والنزاعات المرتبطة بها، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة الموسم الجامعي .2013-2012ص .

بالجرائد المأذون لها بنشر الإعلانات القانونية، مع الإشارة إلى الجريدة الرسمية التي وقع نشره بها.8أما بخصوص المرحلة القضائية، فإنه لا يتم نزع الملكية لأجل المنفعة العامة إلا بحكم قضائي ،9وذلك بهدف إشراك السلطة القضائية إلى جانب السلطة التنفيذية والتشريعية وإضفاء الشرعية على نزع 10الملكية، حيث تتدخل هيئة أخرى اعتبرت حامية للملكية العقارية الخاصة في مواجهة الاعتداءات التي قد تعترض لها من طرف السلطة العامة.11وعليه يتعين على نازع الملكية، وذلك داخل أجل سنتين من تاريخ نشر مرسوم المعلن عن المنفعة العامة في الجريدة الرسمية، إيداع مقالي الحيازة ونزع الملكية لدى المحكمة الإدارية التي يقع العقار المنزوع ملكية في دائرة نفوذها.ولذلك من شروط نزع الملكية توفر المنفعة العامة إضافة إلى باقي الشروط الأخرى. لذلك نتساءل حول مدى تحقق المنفعة العامة من إحداث التجزئات العقارية؟ خاصة إذا استحضرنا مقتضيات المادة الأولى من قانون 25.90التي تقضي بكون التجزئة العقارية هي تقسيم عقار من العقارات عن طريق البيع أو الإيجار أو القسمة، والمعلوم أن البيع والإيجار يتم بمقابل أي المجزئ يهدف من ورائه إلى تحقيق الربح ، وبالتالي تنتقي المنفعة العامة.نعتقد أن الجواب على هذا التساؤل يقتضي منا استحضار مقتضيات المادة 50من قانون 25.90كما تم تعديله بقانون 66.12الذي ينص على أنه ” إذا تعلق الأمر بإعادة هيكلة تجزئات غير قانونية معدة للسكن يجوز للدولة و الجماعات المحلية أن تقوم بنزع8 – ينص الفصل 7من قانون 7.81على أنه: ” يمكن للمقرر المصرح للمنفعة العامة أن يعين مباشرة الأملاك التي يشملها نزع الملكية، وإلا فإنالتعيين يقع بموجب مقرر إداري يدعى ” مقرر التخلي”.9 – الفصل 2من قانون ،7.81المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت.10 – عبد الإله الفقير، آليات تدبير الرصيد العقاري في المغرب على ضوء مشروع مدونة التعمير، رسالة لنيل دبلوم الماستر في قانون العقود والعقار، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، جامعة محمد الأول وجدة الموسم الجامعي ،2010/2009ص .69 11 – الوكاري محمد، العقار والتنمية الحضرية، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون الخاص، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال، الرباط السنة الجامعية 1985-1984ص .1044ملكية الأراضي اللازمة لمباشرة عمليات التقويم التي تقتضيها متطلبات الصحة والأمن والراحة العامة ويكون ذلك وفق الأحكام المنصوص عليها في القانون رقم”… 7/81و بالتالي فإن إمكانية نزع الأرض من أجل إعادة هيكلة تجزئة عقارية غير قانونية معدة للسكن، ممكنة في ظل هذه المادة، لكن هذه المادة تتعلق فقط بإعادة هيكلة تجزئة غير قانونية وليس لإحداث تجزئة عقارية من جديدنعتقد أن الدولة والسلطات العمومية يمكن لهما اللجوء إلى نزع الملكية من أجل إحداث تجزئة عقارية معينة، وهذا ما أكدته مجموعة من الأحكام الصادرة عن محاكم المملكة حيث ذهبت المحكمة الإدارية بالدار البيضاء 12إلى المصادقة على التعويض الذي حدده الخبير في 300درهم للمتر المربع عوض الأثمنة المحددة من طرف اللجنة الإدارية للتقييم التي تتراوح بين 55و 115درهم، وبنقل ملكية الوعاء العقاري الذي ستنجز فوقه التجزئة العقارية لفائدة الدولة لأجل المنفعة العامة، وفي نفس السياق ذهبت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في قرار لها 13على أنه “… حيث يعيب المستأنف بنقصان التعليل المتجلي في عدم جواب محكمة الدرجة الأولى على دفوع جديد تتمثل في تمسكها بكونها لا علاقة لها بموضوع نزع الملكية، على اعتبار أن التجزئة السكنية المنجزة على العقار تم إنشاؤها من طرف وزارة السكنى.لكن حيث أنه من جهة أولى فإن الثابت من وثائق الملف وتحديد تقدير الخبرة من طرف الخبير المحلف … أن الجهة المحتلة للعقار موضوع النزاع هي شركة العمران للمنطقة الجنوبية … كما أن ممثل شركة العمران بأكادير صرح بكون الشركة كلفت من طرف الدولة بإنجاز مشروع تجزئة الوفاق وذلك عن طريق التجهيز والبناء، مما يفيد أنها12 – حكم صادر عن إدارية البيضاء عدد 46بتاريخ 31مارس -1993ملف عدد -1997/11أوردته الصافية طالسي م.س ص .60 13 – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش عدد 999في الملف رقم ،2012/1914/299الصادر بتاريخ ،2012/11/14غير منشور.5الجهة واضعة اليد على العقار، ويكون بذلك السبب المعتمد بمقتضى هذه الوسيلة غير مستند على أساس ويتعين استبعاده…”وعليه نعتقد أن الدولة لها الحق في اللجوء إلى نزع الملكية من أجل إحداث مشاريع مرتبطة بإحداث تجزئات عقارية بهدف القضاء على السكن العشوائي، ودور الصفيح وتقوم إزاء ذلك بتفويت تلك البنايات المنجزة في إطار التجزئة مقابل أثمنة رمزية فقط وذلك لتوفير السكن للمواطنين أولا ولمحاربة الأحياء العشوائية ودور الصفيح، ثانيا ولتحقيق متطلبات الصحة والأمن والمصلحة العامة.وقد لا تلجأ الدولة والسلطات العمومية إلى مسطرة نزع الملكية، أي تلجأ مباشرة إلى وضع اليد على العقار مما تكون قد اعتدت ماديا على العقار وهو موضوع )الفقرة الثانية(.الفقرة الثانية: الاعتداء المادي في مجال التجزئات العقـاريةإذا كانت مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة هي الوسيلة المطلوبة بل الواجبة على الإدارة والهيئات المعتبرة في حكمها اللجوء إليها عندما يتعلق الأمر بنزع ملكية عقارية خاصة لأجل تحقيق منفعة عامة للأفراد، لكن مع ذلك نجد الدولة والسلطات العمومية في كثير من الأحيان تلجآ إلى وضع يديها على ملكية الأفراد، خلافا لمقتضيات القانون ودون إتباع المساطر الإجرائية الجاري بها العمل الشيء الذي يجعل تصرفها والحالة هذه مؤسسا لواقعة الاعتداء المادي.14ويمكن تعريف الاعتداء المادي على حق الملكية بأنه لجوء الدولة أو من يمثلها مباشرة إلى وضع اليد على الملكية العقارية دون سلوك الإجراءات القانونية المتمثلة في مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة.14 – المرجع عبارة عن موقع إلكتروني: www.droit et entrepriseتاريخ الزيارة يوم 15ديسمبر 2017على الساعة .14:306ولذلك نتساءل حول إمكانية لجوء الدولة أو السلطات العمومية إلى الاعتداء المادي من أجل إحداث تجزئة عقارية؟و الرأي فيما نعتقد أن الدولة أو من يقوم مقامها وكما رأينا ذلك في الفقرة الأولى من هذا المطلب أن لها الحق في اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية من أجل إحداث تجزئة عقارية عليها، وعند عدم سلوكها لهذه المسطرة بحيث تقوم بوضع اليد واللجوء إلى مباشرة الأشغال على عقار معين تعود ملكيته إلى الخواص، فإنها تكون قد اعتدت ماديا على حق الملكية الذي يضمنه لهم الدستور.فعدم سلوك الإدارة لمسطرة نزع الملكية ولجوئها إلى احتلال العقار ودمجه في عقار آخر وتجزئته وبيعه، وكسب أرباح منه، يعتبر اعتداءا ماديا يستحق صاحب العقار التعويض عن حرمانه من استغلال عقاره أو التعويض عن قيمة عقاره الذي وضعت الإدارة يدها 15 عليه، وهذا ما يمكن أن نلمسه من خلال قرار إدارية 16مراكش الذي جاء فيه، ” إن الوزارة المنتدبة المكلفة بالإسكان والتعمير، عمدت إلى إحداث تجزئة سكنية على ملك خاص بالمدعي بدون وجه حق، فما دامت لم تسلك بشأن ذلك مسطرة نزع الملكية، فإن عملها هذا يعتبر اعتداءا ماديا على حق الملكية العائد للمدعي وغصبا لعقاره يستوجب تعويضه عنه تعويضا كاملا عن قيمة القطعة الأرضية، وعن الحرمان من الاستغلال منذ تاريخ وضع اليد عليه من طرف الوزارة المدعى عليها إلى غاية تاريخ إحداث التجزئة”.وبالتالي يتبين أن إدارية مراكش اعتبرت أن لجوء الوزارة المعنية مباشرة إلى إحداث تجزئة سكنية على قطعة المدعي دون اللجوء إلى مسطرة نزع الملكية يجعلها في وضعية الاعتداء المادي على حق الملكية، وهو نفس التوجه الذي صارت عليه إدارية الدار15 – عبد القادر رايض: الارتفاقات القانونية في التجزئات العقارية والنزاعات المرتبطة بها، م.س ص .42 16 – حكم صادر عن إدارية مراكش رقم ،323ملف رقم 05/12/278غير منشور.7البيضاء 17حين قضت بإفراغ المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء من العقار المملوك للمدعي تحت غرامة تهديدية، حيث إن المؤسسة في حيازتها للعقار لم تسلك المساطر القانونية، ولم تجعل لهذه الحيازة أي سند قانوني، الأمر الذي تعتبر معه مغتصبة ومعتدية ماديا على ملك الغير، ويتعين التصريح بإفراغها من العقار موضوع الاعتداء لأنه لا يعقل أن تقوم المدعى عليها بتجزئة العقار المعتدى عليه وتجزئته وبيعه وكسب أرباح منه.وبالتالي يتبين أن الدولة والمؤسسات العمومية كلما قامت بوضع اليد مباشرة على الملكية العقارية دون سلوك مسطرة نزع الملكية حيث يجعلها مغتصبة لحق الغير ومفتقرة إلى السند القانوني، ويكون للمدعى عليه اللجوء إلى القضاء الإداري المختص قصد عرض ادعائه عليه والمطالبة بالتعويض، هذا الأخير الذي يجب أن يكون مناسبا لمقدار الحق المعتدى عليه ماديا، وذلك جبرا للضرر الذي لحق صاحب الملكية العقارية في مقابل تقضي المحكمة الإدارية بنقل ملكية العقار المعتدى عليه لفائدة الإدارة.ونعتقد أن الدولة ومن يقوم مقامها عند احتياجها للعقار قصد إحداث مشروع يعود بالمنفعة العامة للأفراد، أو بإحداث تجزئة سكنية أن تلجأ إلى مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة المنظمة بقانون 7.81بما فيها من حماية للملكية العقارية وبما لها أيضا من سمو القانون وحمايته للمراكز القانونية.أما اللجوء مباشرة إلى وضع اليد، فأعتقد أنه تعسف في مواجهة الأفراد الذين قد يكونون في مركز ضعيف في مواجهة الدولة، وقد لا يلجأون قطعا إلى القضاء لعلمهم بأن الدولة لا تغلب وبالتالي تضيع حقوقهم.17 – حكم صادر عن إدارية الدار البيضاء رقم 731بتاريخ 29دجنبر، ملف إداري رقم ،97/201منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد ،87 مارس ، أبريل ،2001ص