وجهة نظر حول تعرض الغير الخارج عن الخصومة بقلم ذة/ بوزلماط ميسان

0
861

وجهة نظر حول تعرض الغير الخارج عن الخصومة

ذة/ بوزلماط ميسان

طالبة باحثة في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بتطوان ومحامية بهيئة المحامين بطنجة

مقدمة:

أولى المشرع لطرق الطعن أهمية خاصة  على صعيد القانون القضائي الخاص، نظرا لكونها وسائل قانونية وطرقا مسطرية تساعد الأطراف المعنية على إبراز مكامن الخطأ ومواضيع الخلل في الأحكام الصادرة عن المحاكم، تمهيدا لمراجعتها بالتعديل أو الإلغاء أو الإضافة، من هنا احتلت نظرية الطعون العادية وغير العادية في الأحكام والقرارات مساحة هامة في قانون المسطرة المدنية، غير أنه مع الأسف الشديد لم يحظى الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة بنوع من التفصيل والتدقيق، مما أفسح المجال لاختلاف بين اراء الفقهاء وإلى حد ما أحكام القضاء، مما يدل على صعوبة الخوض في هذا الموضوع.

فهذا الطعن يعتبر طريقا غير عادي للطعن في الأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم، وقد سنه المشرع لفائدة كل شخص لم يكن طرفا في الدعوى ولا ممثلا فيها متى كان الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية أو محكمة الاستئناف مس حقوقه وأضر بمصالحه، وبالتالي فإن هذا التعرض يرمي إلى استرجاع الحقوق المهضومة والمصالح المندثرة التي لحقت بالمتعرض الذي يباشر هذه المسطرة.

ويلاحظ أن المشرع المغربي أشار إلى الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة في ثلاثة فصول فقط من قانون المسطرة المدنية، وهي الفصول من 303 إلى 305 من قانون المسطرة المدنية، وهي فصول قاصرة عن الإحاطة بالموضوع إحاطة شاملة ودقيقة بهذا الطعن الذي يثير عدة إشكالات يتعين مناقشتها وحلها، فما المقصود بتعر ض الغير الخارج عن الخصومة وما هي الآثار الناجمة عنه؟

سنحاول الإجابة عن تينك التساؤلين الهامين في مطلبين: أولهما نعرض فيه ماهية تعرض الغير الخارج عن الخصومة، وثانيهما   سنخصصه للآثار الناجمة عنه.

المطلب الأول: ماهية تعرض الغير الخارج عن الخصومة

اعتبر المشرع المغربي الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة طريقا خاصا يتميز عن باقي طرق الطعن غير العادية، أورده المشرع من الفصول 303 إلى 305 من قانون المسطرة المدنية، وهي فصول قاصرة على حل الإشكاليات التي يثيرها هذا الطعن سواء تعلق الأمر بالأسباب أو الآثار الناجمة عنه.

وتأسيسا على ذلك سنتحدث عن مفهوم تعرض الغير الخارج عن الخصومة وعن سنده القانوني من جهة (الفقرة الأولى)، ثم نأتي إلى الحديث عن الشروط التي ينبغي أن تتوافر في هذا الطعن من جهة ثانية (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: مفهوم تعرض الغير الخارج عن الخصومة وسنده القانوني

إن الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة يرمي بالأساس إلى حماية مصالح الغير الخارج عن خصومة الحكم المتعرض عليه، بسبب عدم استدعائه إلى القضية التي صدر الحكم أو لم يكن ممثلا فيها، وهو طعن إذا كان غير عادي كالنقض وإعادة النظر، إلا أنه مع ذلك يعتبر طعنا يتميز بخصوصية متميزة، بدليل أن المشرع لم يضمن مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضمن مساطر أو طرق الطعن غير العادية كالنقض، بل أورده ضمن الباب السابع من القسم الخامس من قانون المسطرة المدنية والذي يعالج مساطر خاصة كتنازع الاختصاص والتجريح والمخاصمة.

وقد أفرد له المشرع ثلاثة فصول فقط من 303 إلى 305 التي عالجت من هو الشخص الذي يحق له أن يتعرض تعرض الغير الخارج عن الخصومة على الحكم القضائي، سواء أكان ابتدائيا أو استئنافيا متى مس بحقوقه أو أثر على مصالحه مادام لم يكن مستدعى أو ممثلا في الدعوى.

كما عالج الفصل الثاني (الفصل 304) شكلية التعرض من حيث وجوب تقديم مقال الدعوى طبقا للقواعد العامة، مع وجوب إرفاق وصل يثبت إيداع مبلغ الغرامة بكتابة ضبط المحكمة المرفوع إليها التعرض.

ويتحدث الفصل الموالي أي الفصل 305 عن مصير هذا الطعن في حالة ما إذا لم يقبل تعرض الطاعن، بحيث يحكم عليه بغرامة لا تتجاوز الحد الأقصى المشار إليها في الفصل المذكور.

ويستفاد من الفصول المشار إليها أعلاه المتعلقة بتعرض الغير الخارج عن الخصومة أن هناك قواعد عامة يجب مراعاتها عند تقديم هذا الطعن وقواعد خاصة يجب احترامها:

*بالنسبة للقواعد العامة: وتأسيسا على مقتضيات الفصل 304/1 نجد أن مقال تعرض الغير الخارج عن الخصومة يقدم وفق شكليات تقديم الدعوى المنصوص عليها في الفصلين 31 و32 من قانون المسطرة المدنية، مع ملاحظة أن شكليات تقديم مقال تعرض الغير الخارج عن الخصومة لا تختلف عن بعضها البعض إذا تعلق الأمر بتقديمه أمام المحكمة الابتدائية أو أمام محكمة الاستئناف أو أمام محكمة النقض، مع التنبيه إلى أن مقال التعرض المقدم إلى محكمة النقض يجب أن يوقعه محام مقبول لدى محكمة النقض.

كما أنه يثور نقاش عند تقديم طلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة حول ما إذا كان من الضروري أن يتضمن مقال التعرض جميع من كان طرفا في الدعوى التي صدر بشأنها الحكم المتعرض عليه، أم يقتصر على بعضهم ممن لهم علاقة مباشرة بموضوع الدعوى دون البعض الآخر؟

وفي رأينا بأنه يستحسن، بل ويجب توجيه تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد جميع من كان طرفا في الدعوى التي صدر بشأنها الحكم المتعرض عليه، لأن ذلك يفيد المحكمة الناظرة في طلب التعرض وتصدر حكمها أو قرارها بعد الاستماع إلى جميع الأطراف ومواجهة بعضهم ببعض، خاصة وأنه يحتمل أن يدلي أحد الأطراف في الدعوى السابقة بوسائل أو وثائق جديدة تفيد المحكمة عند إصدار حكمها في قبول التعرض أو رفضه.

ويتم التساؤل عن الأجل الذي يتم الطعن فيه بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، إلا أنه بالرجوع إلى النصوص القانونية المنظمة لهذا التعرض، لا نجد تحديدا لأجل تقديم مقال التعرض مما فسح المجال الاختلاف بين الفقهاء وحتى المحاكم.

ففي حين يذهب الرأي الأول[1] أن حق تعرض الغير الخارج عن الخصومة لا يعدو أن يكون حقا  في دعوى يسقط بما تسقط به الحقوق، وليس طريقا من طرف الطعن التي يحرس القانون على تحديد أجل معين لمباشرته ويستند هذا الرأي إلى مقتضيات الفصل 387 من ق ل ع الذي ينص على أن” كل الدعاوي الناشئة عن الالتزام تتقادم بخمسة عشر سنة”، بمعنى أن مدة التقادم في دعوى تعرض الغير الخارج عن الخصومة تتقادم بمضي خمسة عشر سنة بدءا من صدور الحكم المتعرض عليه.

ففي حين يذهب الرأي الثاني (الراجح)[2] إلى أن قابلية الأحكام للتنفيذ تمتد لثلاثين سنة طبقا لمقتضيات الفصل 428 من قانون المسطرة المدنية، ويعلل هؤلاء رأيهم بأنه ينبغي فتح المجال للغير للوقوف في وجه الحكم المتعرض عليه طيلة هذه المدة كلها، لأن الغير لا يعلم حقيقة أو حكما بصدور قرار قضائي مس بمصالحه، ولم يكن طرفا فيه واستفاد منه، إلا إذا أقدم هذا الأخير على مباشرة تنفيذه ليعلم المتضرر بهذا الحكم الذي ألحق به الضرر ولم يكن ممثلا في الدعوى، لهذا يكون من الإنصاف منح من يرغب في مباشرة مسطرة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة مهلة أو أجلا مدته ثلاثون سنة على غرار من يرغب في تنفيذ حكم قضائي استنادا إلى المنطق القانوني السليم وارتكازا على قواعد الإنصاف والمساواة بين المتقاضين.

ونحن نرجح الرأي الثاني لما فيه من بعد منطقي وبعد أخلاقي يتمثل في إنصاف من يرغب في تعرض الغير الخارج عن الخصومة، ومعاملة له بنفس طالب تنفيذ الحكم المتعرض عليه.

وفيما يخص المادة التجارية، فيلاحظ أن المشرع المغربي نظم في مدونة التجارة أجل تعرض الغير الخارج عن الخصومة بالنسبة للمواضيع المحددة على سبيل الحديث، وهي مواضيع تهم:  1- التسوية القضائية 2- التصفية القضائية 3- سقوط الأهلية التجارية.

وهكذا ورد في المادة 729 من مدونة التجارة بأن تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد المقررات الصادرة بشأن التسوية والتصفية القضائية وسقوط الأهلية التجارية، يتم بتصريح لدى كاتب ضبط المحكمة داخل أجل عشرة أيام ابتداء من تاريخ النطق بالمقرر القضائي أو نشره في الجريدة الرسمية إذا كان من اللازم إجراء هذا النشر.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن أحكام التسوية أو التصفية القضائية التي يمكن الطعن فيها داخل (أجل 10 أيام) لها علاقة بمقررات القاضي المنتدب التي تخضع هي الأخرى لإمكانية الطعن فيها بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، بحيث حدد المشرع من خلال المادة 700 أجل الطعن فيها في خمسة عشر يوما والتي نصت على ما يلي” يجب أن يقدم تعرض الغير الخارج عن الخصومة والتعرض داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ النشر بالجريدة الرسمية المشار إليها في المادة 687″.

ولعل رغبة المشرع التجاري في تسريع المسطرة والتعجيل بإنجازها، هو الذي حدا به إلى جعل التعرض الغير الخارج عن الخصومة في الأحكام المتعلقة بالتصفية والتسوية القضائية والأهلية التجارية وفي المقررات التي يصدرها القاضي المنتدب، يحدد أجل الطعن تحديدا قصيرا يتمثل في عشرة أيام بالنسبة للأولى وخمسة عشر يوما في الثانية، لأن البت في القضايا التجارية يتطلب السرعة، ومن شأن إطالة الأجل تباطؤ صدور الأحكام وتراكم الملفات، مما يؤثر على الجانب الاقتصادي الذي يتطلب سرعة البت وخلق الثقة في المعاملات.

* فبالنسبة للقواعد الخاصة : يعتبر أداء مبلغ مالي مسبق من طرف من يباشر مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، بمثابة غرامة لفائدة الدولة في حالة عدم قبول التعرض.

فهذا الإجراء الذي ألزم به المشرع من يمارس مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، يعتبر دليلا على الطابع الخاص لهاته المسطرة، رغم أنها تعتبر طريقا غير عادي على غرار طرق الطعن الأخرى غير العادية، بحيث يمكن اعتبار مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة نوعا من صعوبة التنفيذ أكثر منه طريقا من طرق الطعن.

فبالرجوع إلى الفصل 305 من قانون المسطرة المدنية نجد أن المبلغ المسبق المعد بمثابة غرامة للدولة والذي يجب على المتعرض إيداعه بصندوق المحكمة تحت طائلة عدم قبول تعرضه هو:

– 100 درهم بالنسبة للمحاكم الابتدائية

– 300 درهم بالنسبة لمحاكم الاستئناف

– 500 درهم بالنسبة لمحكمة النقض

وهكذا ينبغي على المتعرض أن يرفق مع مقال تعرضه وصلا يثبت إيداعه بكتابة ضبط المحكمة المصدرة للحكم أو القرار المتعرض عليه، وفي حالة عدم قبول تعرضه يحكم عليه بأداء إحدى الغرامات المشار إليها أعلاه.

وواضح من الفصل المذكور، أنه في حالة خسارة المتعرض طعنه أمام المحكمة الناظرة في التعرض، فإن الحكم موضوع التعرض بعد إقراره من طرف المحكمة التي نظرت في التعرض يبقى ساري المفعول، مما يفسح المجال للطرف المتضرر من الطعن رفع دعوى التعويض عن الضرر.

ونحن نتساءل عن مدى منطقية أو مشروعية وجدية فرض المشرع الغرامات على من يباشرون مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة؟

فإننا نجيب عن هذا التساؤل، بأن المشرع لم يكن منصفا في إطار تعامله مع مختلف المتقاضين، ذلك أنه إذا كان أطراف الدعوى ملزمين فقط بأداء الرسوم القضائية مالم يكونوا مستفدين من المساعدة القضائية، فلماذا يفرض على الغير الذي يباشر مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة متى مست مصالحه وهددت حقوقه غرامة تعتبر معاملة غير عادلة بالنسبة له.

فإذا كانت رغبة المشرع هي التقليل من الخصومات والحد من النزاعات، بغية إضفاء طابع الاستمرار وصبغة الديمومة على المراكز والحقوق، فإن سبيل ذلك ليس بفرض تلك الغرامات التي لا جدوى منها، بل يكمن في ترك السلطة التقديرية للمحكمة في فرض جزاءات ضد من يتعسف في سلوك مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، وخاصة إذا ثبت سوء نية المتعرض، هذا مع الاحتفاظ بحق المتضرر من مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة المسلوكة من طرفه في رفع دعوى التعويض عن الضرر اللاحق بضحية مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

الفقرة الثانية: شروط تعرض الغير الخارج عن الخصومة

نص الفصل 303 من قانون المسطرة المدنية على أنه ” يمكن لكل شخص أن يتعرض على حكم قضائي يمس بحقوقه إذا كان لم يستدع هو أو من ينوب عنه في الدعوى”.

ويتضح من خلال هذا النص أن ممارسة مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة يجب توافر فيها مجموعة من الشروط:

*أولهما : كون الحكم المطعون فيه قد مس بالحقوق الثابتة للغير المتعرض وأخل بمصالحه المشروعة، ويعتبر هذا الشرط تطبيق لمبدأ لا دعوى بدون مصلحة، ذلك أن المصلحة هي التي تدفع المتضرر من الحكم  التعرض عليه، غير أن ثبوت الضرر يتوقف على السلطة التقديرية للمحكمة، فهي التي يجب عليها أن تقرر مدى مساس الحكم بحقوق الغير ومصالحه.

وفي هذا الصدد صدر قرار عن المجلس الأعلى سابقا – محكمة النقض حاليا – قضى ” وفي النازلة فإن محكمة الاستئناف لم تقبل تعرض شركة ” رانت كو” بعلة  أنها كانت ممثلة في الدعوى من طرف مسيرها ” السيد الديوري”، والحال أنه بالرجوع إلى وثائق الملف كماهي معروضة على أنظار قضاة الموضوع ، يلاحظ أن الدعوى أقيمت من طرف ” السيد العلمي” في مواجهة ” السيد الديوري ” بصفته الشخصية على اعتبار أنه أخل بالتزاماته التعاقدية، وأن الحكم الصادر في النازلة قضى على المدعى عليه المذكور بفسخ عقد التسيير والإفراغ بهذه الصفة وليس بصفته ممثلا للشركة ” رانت كو”، وأن عقد التسيير المبرم بين ” الوالي” وبين ” الديوري ” وإن نص على أن هذا الأخير مسير الشركة ” رانت كو” ، فإن هذا لا يعني أن المسير في هذه الدعوى كان ممثلا في الشركة المذكورة خاصة وأن للشركة ذمة مستقلة عن المسير ، ومحكمة الاستئناف عندما اعتبرت المتعرضة – طالبة النقض- ليست غيرا وأنها كانت ممثلة، تكون قد عللت قرارها تعليلا فاسدا في منزلة انعدامه مما يستوجب نقضه”[3].

وهكذا يستنتج من القرار المذكور أن محكمة النقض حددت بدقة من هو الغير الذي يحق له مباشرة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة في الحكم أو القرار الذي أضر بمصالحه، هو الذي لم يكن ممثلا في الدعوى حتى ولو ورد اسمه في هذه الأخيرة ولكن بصفة أخرى، كما هو الحال في نازلة الملف، فالمتعرض ” الديوري” كان ممثلا في دعوى فسخ عقد تسيير محل تجاري والإفراغ منه بصفة أخرى، وهي أنه ممثل لشركة “رانت كو” في حين أن دعوى الفسخ والإفراغ تتعلق بتسيير محل تجاري من طرف ” الديوري” الذي استدعي لدعوى الفسخ والإفراغ بصفة أخرى هي أنه ممثل لشركة ” رانت كو” وليس بصفته مسيرا لعقد التسيير الحر.

وهذا يعني أن المتعرض “محمد الديوري” يعتبر غيرا في دعوى الفسخ والإفراغ المتعلقة بتسيير محل تجاري، لأنه كان ممثلا في هذه الأخيرة عن شركة ” رانت كو” مما كان على المحكمة المصدرة للقرار المطعون فيه أن تقبل تعرضه تعرض الغير الخارج عن الخصومة.

والجدير بالذكر هنا أن صاحب المصلحة في استصدار الحكم أو القرار لفائدته، ورغبه منه في اتقاء مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة من طرف شخص ثالث  بعد صدور حكم لفائدة صاحب المصلحة (المدعي)، قد يعمل خلال سريان الدعوى على إدخال الغير في الدعوى ( وهو الشخص الثالث الذي قد يتعرض على الحكم أو القرار)، وذلك ليتجنب في المستقبل مباشرة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة من طرف  الشخص الذي يدعي أنه مست مصالحه المشروعة.

وبالمقابل يمكن لهذا الشخص الذي مست مصالحه خلال سريان الدعوى وعلم برفعها ضد المدعى عليه دون أن يستدعي أو يمثل فيها، يمكن له أن يتدخل إراديا في الدعوى طبقا لمقتضيات الفصل 111 من قانون المسطرة المدنية ليصبح طرفا في الدعوى وممثلا فيها لحماية حقوقه الثابتة وصيانة مصالحه المشروعة.

*وثانيهما : ألا يكون  الغير المتعرض قد استدعي شخصيا أو بواسطة نائبه، وهذا يعني أن من كان طرفا في الدعوى أو ممثلا فيها، ليس له الحق أن يباشر مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فمسوغ الطعن  بتعرض الغير الخارج عن الخصومة هو الضرر اللاحق بالغير  غير الممثل في الدعوى التي صدر فيها القرار المتعرض عليه، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها الذي قضى” مناط الطعن بالتعرض الغير الخارج عن الخصومة هو الضرر الذي يصيب الغير الذي لم يكن طرفا في القرار المتعرض عليه ولم يتمكن من الدفاع عن مصالحه ويستوي الأمر بين حكم صادر عن قاضي الموضوع أو أمر صادر عن قاضي الأمور المستعجلة ، إذ لا شيء يمنع الغير من التعرض تعرض الغير الخارج عن الخصومة على أمر استعجالي إذا تضرر منه”[4].

كما أن الخلف العام (كالورثة) يمنع عليه مباشرة  مسطرة التعرض إذا حل محل الهالك في الدعوى سواء أكان مدعيا أو مدعى عليه ويعتبر ورثة الهالك في الدعوى التي كان طرفا فيها قبل وفاته ممثلين فيها كخاف عام، بحيث يمتنع عليهم  مباشرة مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، بشرط أن يكون السلف طرفا بشخصه أو بنائبه في الدعوى المحكوم فيها، ولكن في حالة اختلال أحد عناصر التمثيل في الدعوى أو ظهور أدلة على أنه لم يكن طرفا أصليا فيها، فإنه يحق لخلفه العام عندئذ إمكانية الحلول محله بالطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، لأن تمثيل الهالك في الدعوى يجب أن يكون صحيحا وسليما من أي عيب.

وبالنسبة للخلف الخاص، والمقصود به المشتري والمحال له والموهوب له، فإنه يمكن أن يعتبر ممثلا في الدعوى من خلال سلفه إذا كانت حقوقه هو أيضا ناشئة بعد صدور الحكم في تلك الدعوى، أما إذا كانت هذه الحقوق نشأت قبل ذلك فإنه يعتبر غيرا عن الخصومة ولم يمثلها فيها سلفه.

والملاحظ أن تحديد تاريخ نشأة حقوق الخلف الخاص  مهم جدا، ليعتبر ممثلا في الدعوى أم لا، ولذلك يخضع هذا التحديد للشكليات التي سنها القانون لنشأة الحقوق أو انتقالها كالكتابة أو الإشهار وغير ذلك.

وفي هذا الصدد صدر قرار عن المجلس الأعلى سابقا -محكمة النقض المغربية حاليا- قضى بأنه” من يكتسب حقا على شيء معين لا يعتبر خلفا خاصا ممثلا في الدعوى المقامة من أو على سلفه، إلا إذا رفعت قبل انتقال الحق له، أي أن حجية الحكم لا تمتد إلى الخلف الخاص إلا إذا كانت الدعوى سابقة على اكتساب الخلف الخاص لحقه، والقرار لما أسس قضاءه على المعترض تعرض الغير الخارج عن الخصومة كان ممثلا في الدعوى التي رفعت ضد سلفه يكون قد خرق القاعدة القانونية المذكورة”[5].

فهذا القرار إذا كان يعتبر من الناحية المبدئية أن الخلف الخاص ليس كالخلف العام الذي يكون فيه هذا الأخير ممثلا في الدعوى، فهو في بعض الأحيان يكون ممثلا في الدعوى متى توافرت شروط سلوك مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، بمعنى أن من يكتسب حقا على شيء ال إليه بالهبة أو الصدقة أو البيع، لا يمكنه اعتباره خلفا  خاصا  ممثلا في الدعوى المقامة من سلفه أو عليه ، إلا إذا كانت مرفوعة قبل أن ينتقل الحق إليه.

هذا  وقد استثنى المشرع المغربي صراحة أعمال التدليس والتواطؤ مع الخصم من دائرة الاحتجاج بقوة الشيء المقضي به انسجاما مع مقتضيات الفصل 451 من ق ل ع المغربي، وفي هذا الصدد إذا صدر حكم في مواجهة أحد الورثة بوصفه ممثلا للتركة بموافقة باقي الورثة وكان الحكم نتيجة تدليس ارتكبه هذا الوارث بحق هؤلاء بتواطؤ مع الخصم الآخر، كأن يكون مثلا قد طمأنهم بالحرص في الدفاع عن التركة دفاعا لائقا من خلال إبراز الوثائق والحجج المؤيدة لطلباتهم  غير أنه لم يفعل، وبالتالي فإن هؤلاء الورثة لا تسري في مواجهتهم قرينة الشيء المقضي به ويعتبرون غيرا خارجا عن الخصومة يحق لهم مباشرة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة.

فإذا كان الشرطان المذكوران أعلاه قد أشار إليهما المشرع في الفصل 303 من قانون المسطرة المدنية لمباشرة مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فإنه يبدو أن القضاء أضاف تينك الشرطين المذكورين أعلاه ، شرطا اخر يتمثل في عدم قبول تعرض الغير الخارج عن الخصومة إذا كانت الدعوى معروضة  على المحكمة سواء أكانت ابتدائية أو استئنافية بدليل أنه ورد أمر رئاسي صدر عن الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء  قضى” حيث إن الطالب تقدم بمقال تعرض الغير الخارج عن الخصومة والحال أن مقالات التعرض هذه لا تكون مقبولة حيث يكون موضوع النازلة لا زال معروضا على المحكمة سواء الابتدائية أو الاستئنافية”[6].

كما صدر قرار عن المجلس الأعلى ورد فيه ما يلي ” ينبغي أن يكون الغير المتعرض مما لا يحتج ضده بقوة الشيء المقضي به”[7]، بمعنى يجب ألا يكون الحكم المتعرض عليه قابلا للطعن فيه.

وينتقد بعض الباحثين[8] هذا الشرط المضاف من طرف القضاء ويعتبرونه مجانبا للصواب، لأن المشرع لم ينص عليه صراحة في الفصل 303 من قانون المسطرة المدنية الذي اقتصر على شرطين فحسب.

من هنا حسب هذا الرأي يمكن ممارسة مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة ضد الحكم الابتدائي بمجرد صدوره ولو كان النزاع لا يزال معروضا على محكمة الاستئناف، والقول بغير ذلك يؤدي إلى العبث بحقوق الغير الذي لم يكن طرفا في الدعوى والذي صدر الحكم ضارا بمصالحه، على اعتبار أن الموقف المذكور يفوت عليه فرصة الدفاع عن مصالحه على الأقل على مستوى الدرجة الثانية من التقاضي، إن لم نقل على مستوى الدرجة الأولى.

ونحن من جهتنا نؤيد هذا الرأي الذي يقول بجواز سلوك مسطرة الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة في الحكم الذي أضر بمصالحه حتى ولو كان النزاع لا زال جاريا في المرحلة الاستئنافية.

وما يؤيد سلامة موقفنا هو أن الطعن حتى ولو اعتبر طعنا غير عادي مثل النقض وإعادة النظر، إلا أنه طعن خاص متميز عن باقي الطعون غير العادية، بدليل أن المشرع أوجب ضرورة إيداع المبلغ الواجب أداؤه كشرط إضافي خاص لمباشرته، مما يؤكد الطابع الاستثنائي لهذا الطعن، ومعلوم أن الاستثناء يجب تقييده ولا ينبغي التوسع فيه.

وكذلك بدليل أن الباب الذي أدرج فيه المشرع تعرض الغير الخارج عن الخصومة ينم عن موقف ضمني وغير مباشر، يفيد بأنه لا يمكن اعتبار هذا التعرض طريقا ينتمي إلى طرق الطعن غير العادية.

المطلب الثاني: اثار تعرض الغير الخارج عن الخصومة

نشير بادئ ذي بدء إلى أن المقتضيات القانونية المتعلقة بمسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة وتحديدا الآثار المترتبة عن هذا الطعن هي مقتضيات قليلة أو شحيحة، خلافا للمقتضيات القانونية المتعلقة بطرق الطعن الأخرى العادية (كالنقض وإعادة النظر) وهو الأمر الذي فتح الباب للاجتهاد القضائي والبحث الفقهي لمعالجة بعض الإشكاليات التي تطرحها هذه المسطرة ولا سيما في الآثار الناجم عنها.

وإذا كان لا بد أن نتحدث عن اثار مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فإننا نقول بأن هذه الآثار مرتبطة بالطعن ذاته أو مرتبطة بالحكم الناتج عنه، مع ملاحظة أن اثار هذا الطعن بصفة عامة لا تخرج عما هو متعارف عليه في معظم الطعون الأخرى من جهة انقسامها إلى نوعين :أثر ناشر وأثر موقف من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن هناك اثار أخرى تختلف حسب ما إذا استجاب الحكم لطلبات الغير المتعرض أم لم يستجب لها من جهة ثانية ، وسوف نتحدث عن كلا الأثرين الناجمين عن سلوك مسطرة التعرض الغير الخارج عن الخصومة في (الفقرة الأولى)، كما سنتعرض لاحقا إلى الأثر الناجم عن صدور الحكم تعلق الأمر بعدم الاستجابة للطلب من جهة أو تعلق بالاستجابة له من جهة ثانية وذلك في (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى:  الأثر الناشر و الأثر الموقف لمسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة

لم يحدد المشرع المغربي المقتضيات القانونية المتعلقة بآثار الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، مما فسح المجال للتساؤل عن طبيعتها وحدودها على ضوء النقاش الفقهي والاجتهاد القضائي، وعادة ما تكون للطعون اثار ناشرة وأخرى موقفة تعلق الأمر بالطعون العادية أو غير العادية.

* فبالنسبة للأثر الناشر في تعرض الغير الخارج عن الخصومة:  فيقصد به  إعادة النزاع أمام المحكمة المختصة ونشر ولايتها عليه من المنظورين الواقعي والقانوني، فإذا كان الأثر الناشر  يعطي صلاحيات للمحكمة للنظر في وقائع الدعوى، فإن صلاحيات المحكمة الناظرة في التعرض، تعتبر محدودة في إطار النقاط أو المبررات التي قام عليها الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، بحيث يلتمس هذا الغير من المحكمة التراجع عن حكمها الصادر عنها والمتعرض عليه من طرفه ومبينا أساسا الأسباب والوقائع التي تهمه ولا تهم الأطراف الأخرى، ومن غير أن يتقدم بطلبات جديدة أمامها، كما أن المحكمة ذاتها تقضي في حدود الأسباب والوقائع المعروضة عليها.

وتجدر الإشارة إلى أنه يتعين في هذا الصدد التمييز بين الطلبات الجديدة التي يمكن أن يقدمها المتعرض، وبين وسائل الدفاع التي تهدف إلى إقناع المحكمة بالأسباب المؤسس عليها الطعن، بحيث يمكن اعتبارها تتعلق بإجراءات تحقيق الدعوى   التي تدخل ضمن نظام الإثبات وليس ضمن الطلبات الجديدة التي عادة ما تكون غير مقبولة.

وهكذا يتبين أن الأثر الناشر لتعرض الغير الخارج عن الخصومة محدود في الأسباب المبررة له والموجهة ضد الحكم المطعون فيه، وفي عدم تقديم طلبات جديدة سواء  من الطاعن المتعرض أو من المطعون ضده، مما يستنتج معه نسبية هذا الطعن من حيث موضوعه، باعتبار أسبابه نسبية  يمكنها أن تتعطل من جرائها بعض المعطيات والحقوق سواء بالنسبة إلى الموضوع أو بالنسبة إلى الأشخاص في حالة معينة تتمثل في عدم القابلية للتجزئة، بمعنى أنه يكون في بعض الأحيان من المستحيل تقسيم الموضوع أو تجزئته، وبالتالي فإن البت في أسباب التعرض قد يؤدي إلى المس بباقي أركان الموضوع والتي تهم أطرافا أخرى، فضلا عن المطعون ضده أي المتعرض ضده ( كما في حالة المنازعات المتعلقة بالتصفية أو التسوية القضائية أو الأصول التجارية)، ولذلك يكون من المفيد جدا على المتعرض أن يدخل جميع الأطراف في الدعوى في مثل هذه الحالات، لأن نظر المحكمة في النزاع على ضوء الأسباب التي ارتكز عليها المتعرض سيمس مصالح هؤلاء إيجابا أو سلبا.

* وبالنسبة للأثر الموقف لمسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة : يمكن أن نعتبر الأثر الموقف بمثابة مانع قانوني يحول دون تنفيذ منطوق الحكم سواء أثناء سريان أجل الطعن أو بمجرد ممارسة الطعن من قبل المحكوم عليه، وإذا كان موقف المشرع واضحا كل الوضوح في كل من الطعن بالتعرض أو الطعن بالاستئناف من حيث يترتب عنهما إيقاف تنفيذ كل من الحكم الغيابي أو الحكم المستأنف، إلا أن موقف المشرع لم يكن واضحا في مدى ترتيب أثر واقف للطعن في تعرض الغير الخارج عن الخصومة يوقف تنفيذ الحكم المتعرض عليه، بمعنى أن المشرع المغربي جعل للطعون العادية مثل التعرض أو الاستئناف أثرا موقفا، خلافا للطعون غير العادية كالنقض وإعادة النظر ويندرج ضمنها  تعرض الغير الخارج عن الخصومة، فهذه الطعون  لا توقف التنفيذ بمجرد رفعها إلى محكمة الطعن انسجاما  مع المبدأ القائل “إن الأحكام قابلة للتنفيذ فور صدورها”، وبطبيعة الحال إلا ما استثناه المشرع بالطعن بالتعرض والطعن بالاستئناف، وكذلك ما نص عليه الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية الذي يجعل الطعن بالنقض في قضايا الزور الفرعي والأحوال الشخصية والتحفيظ العقاري موقفا للتنفيذ.

وهكذا يبدو لنا جليا وعندما نتصفح النصوص القانونية السالفة الذكر ونقوم بقراءتها بتمعن لا نجد فيها ما يفيد على أن هذا الطعن يوقف التنفيذ، ولو أن هذه المسطرة تعتبر مسطرة استثنائية، وهذا ما درج عليه العمل القضائي في مختلف المحاكم التي لم تصرح بإيقاف التنفيذ بسبب سلوك مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، هذا مع العلم أن المحكمة الناظرة في هذه المسطرة، يمكن لها إذا تراءى لها أن مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة المسلوكة من طرف الطاعن مؤسسة ومبررة، خاصة وأنه يصعب جدا تدارك الضرر الذي قد يلحق بالمتعرض بعد تنفيذ المستفيد من الحكم المتعرض عليه من عملية التنفيذ قبل نظر المحكمة في مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة، وهو ما لاحظنا بشأنه صدور حكم أو قرار بالإيقاف نادرا في هذه المسطرة، وهو ما يستوجب في نظرنا إعادة النظر في صياغة النصوص القانونية المتعلقة بهذه المسطرة وتوسيعها وتدقيقها والعمل على أن يكون من اثار رفع مقال تعرض الغير الخارج عن الخصومة إيقاف التنفيذ في انتظار أن تفصل المحكمة في مسطرة التعرض، تجنبا للمخاطر والأضرار التي تلحق بالطاعن والتي يصعب جدا، بل يستحيل تداركها لاحقا في حالة تنفيذ الحكم أو القرار المتعرض عليه.

ومما يبرر وجهة نظرنا الرامية إلى تفعيل مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة بجعل أثرها موقفا للتنفيذ، هو شيوع عمليات النصب والاحتيال في المعاملات وانتشار عمليات التزوير والتسلح بمنطق التدليس وإخفاء الحقائق وغير ذلك من الأساليب الجهنمية التي أصبحت تعرفها جميع الميادين وكل القطاعات، مما يتعين معه معاملة مرتكبي هذه الجرائم والأفعال غير المشروعة بنقيض قصدهم.

ولاشك أن المشرع في الفصل 305 من قانون المسطرة المدنية أشار إلى أن المتعرض تعرض الغير الخارج عن الخصومة في حالة خسرانه، يمكن للمحكمة التي نظرت في التعرض ورفضته أو لم تقبل به أن تحكم بالتعويض لفائدة الطرف الآخر إذا طلب منها ذلك، وواضح أن هذا التعويض يمكن أن يعتبر مقابلا لإطالة المسطرة من طرف المتعرض بدون مسوغ قانوني وهذا أفضل من الحكم أو القرار موضوع التعرض الذي تواصل فيه إجراءات التنفيذ وأن محكمة التعرض لم تبت فيه ويصبح الأمر أكثر خطورة إن صح التعبير في حالة ما إذا صدر الحكم أو القرار لصالح المتعرض.

الفقرة الثانية: الآثار المترتبة عن صدور الحكم القاضي بعدم الاستجابة للطلب أو الاستجابة له

سبق أن قلنا أن الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة  له أثر ناشر وواقف ينجم عن مباشرة مسطرة الطعن التي تنظر فيها المحكمة المختصة قبل إصدار حكمها في القضية.

فعندما تصدر حكمها في القضية لا يعدو أن يكون حكما قد قضى إما بعدم الاختصاص أو بعدم قبول الطلب أو برفض الطلب من جهة أولى، أو يكون قد قضى بالاستجابة للطلب، وبالتالي يلغى الحكم المتعرض عليه من جهة ثانية.

*فبالنسبة للحالة المتعلقة بعدم الاستجابة لطلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة:

– فقد تصرح المحكمة الناظرة في التعرض بعدم الاختصاص لكون طلب المتعرض رفع إليها كجهة غير مختصة، بمعنى أنها ليست هي الجهة المخولة للنظر في الحكم الذي تم التعرض عليه.

– وقد تصرح المحكمة بعدم القبول لكون طلب التعرض لا يتوفر على الشروط الشكلية اللازمة لسماع الدعوى كالصفة والمصلحة والأهلية أو الشروط الخاصة بمسطرة التعرض كأن لا يكون المتعرض مستحقا لحمل صفة الغير أو لكون المتعرض لم يرفق مع مقال التعرض وصل أداء المبلغ الواجب أداؤه.

– وقد تصرح المحكمة برفض الطلب لكون هذا الأخير لم يكن مؤسسا على وقائع صحيحة أو على أسباب موضوعية أو على مبررات واقعية وقانونية كأن لا يثبت الضرر اللاحق به أو لا يدعم كلامه بكونه لم يستدع أو يمثل في مرحلة التقاضي التي صدر فيها الحكم المتعرض عليه.

ففي تلك الحالات التي لم تستجب فيها المحكمة لطلب الطاعن بالتعرض، فإن الحكم المتعرض عليه يبقى منتجا لآثاره وقائما بذاته ومكتسبا لحجيته في مواجهة المتعرض، فضلا عن باقي الأطراف هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن المتعرض الذي خسر الدعوى يتعين عليه :

أولا: تحمله مصاريف الدعوى طبقا لمقتضيات الفصل 124 من قانون المسطرة المدنية.

ثانيا: تغريمه بالغرامة المودعة بصندوق المحكمة في حدها الأقصى.

ثالثا: إلزام المتعرض بأداء التعويض عن الضرر اللاحق بخصمه المتعرض عليه في حالة تقديم هذا الأخير طلبا إلى المحكمة للحكم له بالتعويض عن الضرر، طبقا لمقتضيات الفصل 305 من قانون المسطرة المدنية دون أن يبين المشرع عناصره وكيفية تقديره.

*بالنسبة للحالة المتعلقة بالاستجابة للطلب:

إذا تبين للمحكمة عند دراستها للقضية وكان طلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة مؤسسا واقعا وقانونا، ومدعما بالحجج والمستندات، تقوم بتعديل الحكم المتعرض عليه في حدود ما يمس حقوق المتعرض فقط دون أن يؤثر ذلك على باقي أطراف النزاع الأصليين، واللذين يبقى الحكم المعدل نافذا بحقهم وحائزا لقوة الشيء المقضي به فيما بينهم، وذلك حتى في النقط التي عدلها الحكم الصادر عن محكمة التعرض والتي أصبحت غير نافذة في حق المتعرض، بمعنى أن نسبية الشيء المقضي في حالة الحكم وفق طلب التعرض لها منظوران:

* أولهما  يتعلق بالطاعن نفسه الذي حماه الحكم الصادر في مسطرة التعرض من نتائج القوة التنفيذية الناتجة عن الحكم السابق المتعرض عليه.

وثانيهما: يتعلق بأطراف الحكم اللذين اندثرت علاقتهم بالطاعن، استنادا للأسباب المؤسس عليها الحكم وفقا للتعرض من جانب وفي نفس الوقت بقاء العلاقة بينهم مضبوطة بمقتضيات الحكم الأول غير قابلة للتغيير من جانب ثان.

غير أنه تجدر الإشارة إلى أن الحكم الذي يستجيب لطلب المتعرض الغير الخارج عن الخصومة، يمكن أن يتجاوز أثره المتعرض نفسه، ليصل إلى باقي الأطراف حتى ولو لم يتعرضوا عليه متى كان موضوع القضية يتسم بعدم القابلية للتجزئة، بحيث لا يمكن تنفيذ الحكم المتعرض عليه، وكذلك الحكم الصادر في مسطرة التعرض والقاضي بالاستجابة لطلب هذا المتعرض، لأن طبيعة المدعى بما يتضمنه من عناصر تكون غير قابلة الانقسام، تجعل مقتضيات الحكمين السابق واللاحق متضاربة فيما بينهما.

ولهذا سبق أن قلنا بأنه في هذه الحالة أي في حالة ما إذا كان الموضوع غير قابل للتجزئة وتم الطعن بالتعرض الخارج عن الخصومة، فيتعين على المتعرض إدخال جميع أطراف الحكم المطعون فيه، لأن نتائج الحكم المحتمل صدوره سيؤثر على الجميع وذلك تحت طائلة عدم القبول.

خاتمة:

إذا كانت طرق الطعن تنقسم إلى قسمين طرق عادية كالتعرض والاستئناف، وطرق غير عادية كالنقض وإعادة النظر، فإن الطعن بتعرض الغير الخارج عن الخصومة إذا كان ينتمي مبدئيا إلى طرق الطعن غير العادية، فإنه يتميز بسمات خاصة تختلف عن سمات الطعون الأخرى لدرجة أن البعض اعتبره يدخل في إطار صعوبة التنفيذ.

وإذا كان المشرع لم يرتب عن مباشرة مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة أثرا موقفا لتنفيذ الحكم المتعرض عليه، ولو أنه خول للمحكمة سلطة إصدار أمر بإيقاف تنفيذه، إلا أننا لم نجد كثيرا من الأحكام التي قضت فيها محكمة التعرض بالإيقاف خاصة وأن المتعرضين ذهبوا ضحية موقف المحكمة التي لم تعمل على إيقاف التنفيذ في الوقت المناسب، رغم أن الحكم التي أصدرته قضى بصحة طلب التعرض.

ولهذا فإنه يتعين إعادة صياغة النصوص القانونية المتعلقة بتعرض الغير الخارج عن الخصومة، وذلك بالتنصيص على وجوب إيقاف تنفيذ الحكم المتعرض عليه إلى أن يتم الفصل في النزاع والبث في طلب التعرض من طرف المحكمة.

ولا بأس في نظرنا أنه في حالة ما إذا قضت المحكمة بعدم صحة طلب تعرض الغير الخارج عن الخصومة سواء من حيث الاختصاص أو الشكل أو الموضوع، أن تحكم بالتعويض عن فائدة الطرف المتضرر من جراء سلوك مسطرة التعرض من طرف الغير الذي خسر دعواه وهو تعويض يخضع للسلطة التقديرية للمحكمة وكجزاء على إطالة المسطرة من طرف المتعرض.

أضف إلى ذلك أن الغرامة الواجب أداؤها عند مباشرة الطعن بالتعرض والمنصوص عليها في الفصل 305 من قانون المسطرة المدنية يتعين إلغاؤها، لأنها غير منطقية وغير عادلة، ليبقى التعرض الغير الخارج عن الخصومة مشابها للطعن بالتعرض كطريق عادي للطعن.

وأخيرا فإنه يتعين على المشرع أن يورد مزيدا من النصوص القانونية المتعلقة بتعرض غير الخارج عن الخصومة، لكون النصوص الحالية قليلة وضعيفة ولا تعالج الإشكاليات التي تطرحها مسطرة تعرض الغير الخارج عن الخصومة سواء عند مباشرتها أو خلال سريانها أو من حيث الآثار المترتبة عنها على غرار ما قام به المشرع في الطعون العادية (الاستئناف) والطعون غير العادية (كالنقض).


[1]  ويمثله بالخصوص  الكزبري  وادريس العبدلاوي : شرح المسطرة المدنية في ضوء القانون المغربي الجديد، الجزء الثالث، مطبعة دار القلم بيروت، سنة 1975 ، ص 321.

[2]  ويمثله محمد السماحي : طرق الطعن في الأحكام المدنية والإدارية، مطبعة الصومعة، طبعة الأولى، سنة 1995، ص 126.

[3]   قرار عدد 481 صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 10/5/2005  في ملف تجاري عدد 1474/3/2/2003 مقتبس من الموسوعة الكاملة لقانون المسطرة المدنية، الجزء الأول للأستاذ عمر أزوكار والنقيب الطاهر موافق، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، طبعة2021، ص 487.

[4]  القرار عدد 278 الصادر عن محكمة النقض بتاريخ 24 فبراير 2011 في الملف التجاري عدد 1017/3/2/2010. (غير منشور).

[5]  قرار عدد635 صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 28 2011 في الملف التجاري عدد 1283/3/2/2010 (قرار غير منشور).

[6]  أمر رئاسي رقم 125 بتاريخ 30/07/1983، ملف عدد 120/83، منشور بمجلة المحاكم المغربية، عدد 28، لسنة 1983، ص 71.

[7]  قرار رقم 1686 صادر  عن المجس الأعلى بتاريخ  25/06/1990، في ملف مدني عدد 2685.

[8]  عبد الكريم الطالب: مشروع رؤية جديدة لطرق الطعن في قانون المسطرة المدنية للدكتور عبد الكريم الطالب، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى سنة 2020، ص 190.