اطفال يلعبون السياسة

0
1043

لم اتمالك نفسي من الضحك عندما انتهيت من قراءة مقال الصحفي سليمان الريسوني الذي شخص احوال السياسية في المغرب والتي اعتبرها مجالا للعب وليس فقط لعبة سياسية. اليكم المقال الذي كتبه الصحفي مدير النشر السابق لموقع الاول الالكتروني والمنشور في العراءش نيوز:

“حدثان طرآ هذا الأسبوع يؤكدان أن السياسة في المغرب هي مجال للعب، ليس بمعنى «le jeu politique»، بل بالمعنى المغربي الذي يعتبر اللعب حكرا على الأطفال أو المعتوهين من الكبار، مثل «les pseudo-politiciens» الذين أصبحت الأحزاب ضاجة بهم بعدما توارى المناضلون وأصحاب المشاريع السياسية إلى الخلف، أو خرسوا سياسيا مثلما فعل اليوسفي.

الحدث الأول هو استضافة «جامعة» شبيبة أخنوش، عازف «كمنجة المُصران» عبد العزيز الستاتي لـ«تأطير ورشة الفن والثقافة»، رغم أن الرجل –وباعترافه هو- أمي في السياسية كما في الثقافة الفنية، وهذا –طبعا- لا ينقص شيئا من براعته في «الجرة».

أما الحدث الثاني، فهو زيارة مُسيِّر السوق المركزي بمدينة العرائش، البروفيسور محمد عبيدو (هكذا قدمته جريدة «الجمهورية» المصرية) للقاهرة لتقديم تهانيه للجنرال السيسي على فوزه بولاية ثانية، وأيضا لتهنئة منافسه موسى مصطفى موسى، ورئيس حملته الانتخابية المستشار سيد محمود عبيدو، «على دورهم الوطني الذي قاموا به لصالح الوطن».

البروفيسور عبيدو، الذي لا يحمل أي شهادة غير تلك الشواهد التقديرية التي تسلمها من بعض الجمعيات، لم يتوقف عند حد تقديم التهاني للسيسي ومنافسه، بل زار مكتب شيخ الأزهر، وقال للصحافة المصرية إنه طلب من «الإمام الأكبر» تشريف المغرب، قريبا، للقاء الملك.

هكذا، دفعة واحدة، أصبح مسيِّر «البلاصة» ينظم أجندة لقاءات الملك، فيما المصريون ينصتون إليه بإمعان، ويصدقون أنه رجل نافذ في المملكة المغربية، ومن يدري، فربما طلبوا منه التدخل لحل مشكلة دبلوماسية عالقة، أو تبديد سوء فهم سياسي قائم بين البلدين. لكن، ما الغرابة في أن يصبح مسير «البلاصة» بروفيسورا في بلد يستعين رئيسه بالدكتور كفتة لإقناع المصريين بجدوى مشروعه الانقلابي؟

مشكلة السياسة في المغرب، ومنذ قررت السلطة صناعة زعماء شعبويين لإقامة نوع من التوازن مع الإسلاميين، أو بعدما قررت، عقب 7 أكتوبر 2016، خوصصة الأحزاب ووضع الـ«PDG» على رأسها بدل الأمين العام، هو أنها لم تعثر سوى على زعماء مزيفين «pseudo»، سرعان ما يتحولون إلى مادة للتنكيت الشعبي، خصوصا عندما يتوهمون أن بإمكانهم الارتقاء ثقافيا بخطابهم البسيط، فيشرعون في تأليف الأحاديث النبوية (شباط)، أو تأليف الكتب (إلياس)، أو التأليف بين قلوب الأعيان واليساريين (البام)، أو بين أذواق شباب «كيليميني» و«جرة» الستاتي (الأحرار).

وما يحدث في الأحزاب السياسية يسري على جمعيات المجتمع «المدني» و«القروي» التي فرَّختها السلطة، ومولت الآلاف منها من أموال التنمية البشرية، فأصبح شخص مثل عبيدو يدير المركز المغربي للتسامح وحوار الأديان، وتعطاه الأموال العمومية للتقريب بين المسلمين والمسيحيين واليهود، وهو عندما يسمع عبارة «تهويد القدس» في التلفزيون يفهمها بالمعنى العامي، أي انحدار القدس نحو الأسفل.

فقد حدث قبل سنوات عندما أعلن نيته خوض الانتخابات البرلمانية بدائرة العرائش، أن صرح لإحدى الجرائد بأنه قرر أن يترشح لمواجهة المنتخبين الذين يسعون إلى «تهويد العرائش»، وعندما سأله محاوراه، عبد السلام الصروخ ورشيد بوغابة، بذهول: «ما الذي تقصده بالتهويد؟»، أجاب: «المدينة هودات لتحت بزاف». هكذا يفهم مدير «المركز المغربي للتسامح وحوار الأديان» «التهويد»!

خلاصة القول، الواقع السياسي في بلادنا أصبح يشبه آلة الكمنجة التي كانت تعزف سيمفونيات بتهوفن وموزار وشوبان… وعندما دخلت المغرب استبدل الستاتي وأمثاله من الشيوخ أوتارها الحريرية بمصران الخرفان، فحافظت على شكلها ككمنجة، لكنها لم تعد تعزف سوى: “عطيني الفيزا والباسبور”